فن وثقافة

بعد نصف قرن.. أكتوبر ما زال ينادى السينما: هل من مزيد؟: «الشاشة» ظلمت الانتصار الكبير

بعد 51 عاما من الملحمة المصرية التى قدمها الجيش المصرى وسجل بها الانتصار العربى الوحيد على اسرائيل إلا أن السينما والدراما المصرية لم تقدم سوى 12 عملا روائيا منهما 8 فقط تناولت الحرب بشكل مباشر والبقية اعمال كانت عن حرب الاستنزاف والجاسوسية لذلك يتردد السؤال دوما لماذا لم تقدم السينما سوى اعمال فنية قليلة عن الحرب ولا تضاهى حجم هذا الانتصار الكبير؟

 وربما كانت التكلفة باهظة لانتاج مثل هذه الأعمال التى أغلبها كان يدور فى قالب اجتماعى هى احد اسباب قلة انتاج هذه الاعمال لكن تلكؤ صانعى السينما ربما يكون السبب الاكبر فى عدم وجود فيلم ضخم يخلد الانتصار فى ظل استعداد القوات المسلحة لتقديم كافة التسهيلات العسكرية لانتاج العمل المطلوب ومن اشهر افلام اكتوبر فيلم (الرصاصه لاتزال فى جيبى ) الذى يحكى عن الجندى محمد الذى ينجح بالفرار بحرا ويعود بعد حرب 67 محطما يائسا حيث رأى مقتل رفاقه جميعا ويتفق محمد مع عمه على الزواج بابنة عمه نجوى ابراهيم لكن تنشب الحرب ويتوقف الزواج ليتم بعد العبور

 إذا كان حديثنا عن أفلام حرب أكتوبر التى أنتجت بعد الحرب فلايمكننا أن نغفل الأفلام التى أنتجت قبل الحرب والتى كانت المعادل الموضوعى لمرحلة الصمود والتصدى التى سبقت حرب الاستنزاف قبيل حرب أكتوبر ومنها «أغنيه على الممر» حيث تدور أحداث الفيلم عن خمسة جنود محتجزين فى خندق حربى بالصحراء بعد أن يستشهد جميع زملائهم أثناء حرب 67 وينقطعون عن العالم ويتعرض الفيلم بشكل رائع لمشاعر الجنود أثناء الحصار وهى مزيج من إحباطهم وذكرياتهم وطموحاتهم قبل الحرب وأمانيهم إذا ما عادوا من الحصار ،وأثناء وقت الحصار الطويل يحكى كل جندى عن حياته ومعاناته الإنسانية وعثراته وفشله.

كما تناول فيلم (بدور) الذى تم إنتاجه بعد الحرب بعام قصة الشاب صابر الذى يلتقى بنشالة تقرر التوبة وتعيش فى الحارة التى ينتمى اليها صابر إلى أن يعلم اهل الحارة حقيقتها فى الوقت الذى يذهب صابر للحرب ويعود مصابا ومن أجله يتقبلها اهل الحارة ويحتفلون بزواجه منها ومن تلك الأفلام أيضا فيلم (العمر لحظة) الذى تم خلاله عرض مشاهد من حرب اكتوبر وتدور أحداثه عن صحفية تسعى لكشف الحقائق وتغطية حكايات الجنود المرابطين على الجبهة حيث تنخرط فى مشاكلهم وقصصهم ..

 كذلك تناول فيلم (حتى آخر العمر) تأثير الحرب بشكل مباشر الذى تم إنتاجه عام 1975 عن قصة يوسف السباعى وتدور معظم أحداث الفيلم بعد الحرب، حيث تركز حول ما يجب أن يُقدم من واجبات الشكر لمصابى الحرب خاصة بطل الفيلم هو ضابط طيار أصيب أثناء الحرب مما ينتج عنه إصابته بالشلل، كما قدم فيلم (حائط البطولات)حال الشعب المصرى أثناء حرب الاستنزاف وحتى العبور مع التركيز على دور قوات الدفاع الجوي، وذلك من خلال تجسيد العلاقات الإنسانية المتشابكة بين الجنود والضابط اللذين يمرون بمراحل تطور بقوات الدفاع الجوى ومراحل بناء حائط الصواريخ، وإسقاط الطائرات الإسرائيلية كوزرا التى كانت تمثل آنذاك واحدة من أكبر قوات الاستطلاع التكنولوجية، كذلك هناك اعمال قدمت بعض بطولات فترة ما قبل الحرب فقد قدم جمال الغيطانى فى (حكايات الغريب) بطل الفيلم عبد الرحمن وهو مثال لتضحية المواطن المصرى بغض النظر عن اسمه أو ديانته أو حتى مسقط رأسه فى سبيل بلده ولكنه يختفى ويؤكد الكثيرو معرفتهم له ويحكون عن بطولاته وتصديه لدبابات العدو فى مدينة السويس وكل يسميه باسم مختلف حين تعرض عليه صورته، ولكن لغز اختفائه يدفع لتشكيل لجنة حكومية وإرسالها إلى السويس لتقصى الحقيقة وتعود اللجنة بما يفيد أن عبدالرحمن هو كل شاب مصرى ضحى بحياته واستشهد فى سبيل وطنه ..

الطريق إلى ايلات انتاج عام 1995 وتدور أحداث الفيلم إبان حرب الاستنزاف عام 1969 قبل حرب أكتوبر المجيدة باربع سنوات من خلال قيام مجموعة من الضفادع البشرية المصرية بمهاجمة ميناء إيلات الحربى ونجاحهم فى تدمير سفينتين حربيتين كانت تهاجمان مواقعنا فى البحر الأحمر بعد استيلاء القوات الإسرائيلية على سيناء، ثم عودة هؤلاء الضفادع سالمين بعد إتمام مهمتهم بنجاح. وفى نفس السياق الموازى لحرب اكتوبر 

 ظهرت اعمال درامية تتحدث عن ملف الجاسوسية وبطولات المخابرات العامة المصرية التى كان لها دور كبير فى انتصار أكتوبر ومنها فيلم (الصعود الى الهاوية ) وقد تم عرض الفيلم عام 1978 فى الاحتفال بالذكرى الخامسة للحرب .والتى تدور 

 أحداثه عن الجاسوسة هبة سليم، أخطر جاسوسة مصرية خدمت الموساد وقد أوقع بها رفعت جبريل الضابط فى المخابرات العامة المصرية .

ما لا يعلمه الكثير أن 90 ٪ من مشاهد الحرب التى تم عرضها ويتم الاستعانة بها حتى الآن هى مشاهد شارك بها 12 مصورا سينمائيا قاموا بالسفر إلى الجبهة بعد شهرين من انتهاء الحرب لتصويرها وقد قامت القوات المسلحة بتقديم كل التسهيلات لتصوير العبور من جديد من بداية اول ضربة جوية حتى عبور الزوارق.

 ونأتى الى أحدث الاعمال التى تناولت حرب اكتوبر بشكل مباشر وهو فيلم الممر الذى تم إنتاجه عام 2019 وتدور أحداثه عن مجموعة من أفراد الصاعقة المصرية، تنفذ عمليات ضمن حرب الاستنزاف، ويقدم العمل ملحمة لعدد من أبطال الصاعقة، وما قدموه فى الحرب ضد إسرائيل.

وحقق الفيلم نسبة مشاهدة ضخمة فى دور السينما أو عند عرضه، لأنه جسد البطولات المصرية وتحويل أبناء الجيش الهزيمة إلى نصركما نجحت الشركة المتحدة فى توفير كل الامكانات له ليخرج بالشكل المناسب.

ورغم أن الفيلم كان يحكى عن فترة حرب الاستنزاف إلا أنه كشف عن عقيدة الجيش المصرى وصلابة مقاتليه.

 الأمر الذى دفع الكثيرين للمطالبة بإنتاج المزيد من الأفلام عن هذه الفترة وعن حرب أكتوبر لأنها مهمة فى حماية العقل المصرى ضد عمليات التشويه المتعمدة.

عن كواليس تصوير افلام اكتوبر يكشف بعض النجوم ما دار فيها ..حيث يؤكد الفنان حسين فهمى أن دوره بفيلم الرصاصة لاتزال فى جيبى لم يكن فى الرواية الاصلية التى كتبها المؤلف احسان عبد القدوس فبعد انتصار اكتوبر قرر المؤلف تقديم العمل كفيلم سينمائى لذا تم اضافة شخصية الضابط الذى قمت باداء دوره وهو يرمز الى الضابط المتفتح الذى عبر باصراره الهزيمة وبالفعل قمنا بعمل جلسات عمل مع المؤلف احسان عبد القدوس ومنتج العمل رمسيس نجيب وكنا الفيلم الوحيد الذى تم تصويره فى خط بارليف الحقيقى وقمنا كذلك بالتصوير فى مدينة الاسماعيلية وقد كانت خالية وقتها ورغم صعوبة مكان التصوير حيث كنا نعيش على الشموع ليلا الا اننا كنا نعيش بمشاعر الانتصار والحماس. كجنود حقيقيين. 

 كما أكدت الفنانة والاعلامية نجوى ابراهيم ان القوات المسلحة المصرية قدمت مساعدات حقيقية لتصوير مشاهد الحرب فقد كان الرصاص الذى استعنا به بالفيلم رصاصا حقيقيا كما ان الجنود لم يكونوا كومبارس بل جنود حقيقيين لدرجة اذهلت المخرج الايطالى الذى تم الاستعانة به لتصوير مشاهد الحرب فقد شارك بالفيلم ثلاث مخرجين هم المخرج حسام الدين مصطفى والمخرج خليل شوقي.. الى جانب المخرج الايطالى وعموما كان لى الشرف الاشتراك فى عملين عن حرب اكتوبر وهما الرصاصة لا تزال فى جيبى وحتى اخر العمر.

 بينما ترى الناقدة الفنية ماجدة موريس أن الافلام التى تحدثت عن حرب اكتوبر كانت افلام قليلة لا تزيد على 12 عملا وكانت هناك مشكله تواجه صناع الافلام وهى هل بعد الحرب مباشرة يمكن الاستعانة بمشاهد من الحرب الحقيقية حتى جاء فيلم الرصاصة لا تزال فى جيبى وتم الاستعانة فيه بمخرج اجنبى وهو اول فيلم بعد الحرب ورغم الامكانيات التى قدمت له الا انه لم يكن بنفس القوة لافلام مماثلة مثل فيلم اغنية على الممر للمخرج على عبد الخالق الذى قدمته جماعة السينما الجديدة وكان من اقوى الافلام الذى قدمت اثناء وبعد النكسة .. ثم جاءت بعد ذلك افلام مثل ابناء الصمت والوفاء العظيم وبدور والعمر لحظة وحتى اخر العمر وبعد سبع سنوات ولاول مرة يقوم التلفزيون المصرى بانتاج فيلم عن حرب الاستنزاف و هو فيلم› الطريق الى ايلات» ثم فيلم «يوم الكرامة» و»حائط البطولات» .

تؤكد ماجدة إننا نحتاج لاعمال اخرى كثيرة عن حرب اكتوبر فلدينا اجيال تحتاج الى معرفة صفحات من بطولاتنا الخارقة فمثلاً يستحق أن نقدم فيلما عن الشهيد ابراهيم الرفاعى وفرقته الذى أخذ ثأر الشهيد عبد المنعم رياض وقاموا بقتل 47 ضابطا وجنديا اسرائيليا.. كما أن هناك افلامها تسجيلية رائعة عن افلاما اكتوبر نحتاج أن تذاع باستمرار .

بينما يقول الناقد السينمائى محمود قاسم إن افلام الجاسوسية تعتبر افلام عن الحرب الموازية ولها دور كبير فى انتصار أكتوبر فقد قدمت عمل عن مغامرات رأفت الهجان للاطفال بعد موافقة جهاز المخابرات المصرية .

ويرى قاسم أننا يجب أن نقدم التحية للمخرجى الراحلين محمد راضى وعلى عبد الخالق الذين قدما اجمل افلام الحرب باخلاص شديد و لكن من الصعب بعد خمسين عاما من الحرب تقديم أعمال كثيرة  عن حرب استغرقت مدة قليلة  

وترى الدكتورة عفاف طلبة الاستاذة باكاديمية ا لفنون ان حرب اكتوبر لا تزال عالقة فى الوجدان محلقة فى سماء الوطن وقد ساهم اكثر من مؤلف موسيقى فى استعادة هذه الروح من خلال ابداعاتهم الموسيقية التى ظهرت فى كثير من دراما التلفزيون والسينما وخاصة الموسيقى التصويرية التى تعد من اهم العناصر الفعالة فهى بطل رئيسى فى صناعة الدراما تستطيع بسهولة ايصال رسالة الفيلم او المسلسل والمؤلف الموسيقى يدرك ان الشعب تواق للبطل الوفى للوطن ومن ثم برزت اعمال تناولت حرب اكتوبر ففى فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبي» قدم الفنان عمر خورشيد تعبيرا صادقا بموسيقاه عن تفاصيل كثيرة عن هذه الحرب خاصة مشاهد عبور المدرعات ومشاهد عودة البطل وهو محمود ياسين من الحرب وايضا فيلم « مهمة فى تل ابيب» اجاد الملحن جمال سلامة فى نوعية الموسيقى عندما مزج صوت السادات بالموسيقى فى آخر مشهد بالفيلم كما ان الموسيقار طارق شرارة قد ساهم فى ترسيخ الشخصية والاحداث بفيلم « الصعود الى الهاوية «للكاتب صالح مرسى وكذلك الفنان عمر خيرت بفيلم «اعدام ميت» كما قدم عمار الشريعى افضل الموسيقى التصويرية لاعمال الجاسوسية فى مسلسلى «دموع فى عيون وقحة» و»رافت الهجان» والتى تعد باكورة اعمال الشريعى الوطنية التى نالت شهرة واسعة حيث كانت من اهم المقطوعات التى عرفت فى تاريخ الدراما الوطنية وعبرت عن مشاعر الخوف والتشويق والحنين فقد استخدم الات الايقاع حتى يعطى الايحاء بالطابع العسكرى كما استخدم الآلات النحاسية حتى تؤتى بالطابع الحماسى واستخدم العود وآلة الكولا وهى شبيهة بالناى ولكن بصوت اقوى حتى يقدم الحنين للوطن فقد اكد الموسيقيون على مكاسب حرب اكتوبر وقد استطاعوا ان يقدموا روح اكتوبر الذى استشعرها المشاهد من خلال تلك الاعمال.

ويرى المخرج عمر عبد العزيز ان حرب اكتوبر تتحمل مئات من الافلام بل اننا قد تعرضنا لحرب اكتوبر من الخارج فقط وخاصة ان افلام الحرب تحتاج إمكانيات كبيرة لا يقدر عليها افراد و فى الخارج لا يزال يقدم افلاماً عن الحرب العالمية الثانية حتى الآن كما اننا من الممكن ان نقدم اعمالا عن الحرب ولا يشترط تقديم دبابات فالعبور لم يكن عبوراً للجيش فقط بل كان الشعب كله مؤهلاً للعبور فقد قرأت سيناريو للفنان لطفى لبيب حيث كان احد من شارك فى حرب اكتوبر عن كتيبته وكان من اجمل ما قرأت عن حرب اكتوبر. فمن الممكن الاستعانة بمن عاصروا الحرب والأجيال الجديدة تحتاج لمثل هذه الأفلام .

بينما يرى السيناريست محمد الباسوسى رئيس مهرجان الغردقة الدولى لسينما الشباب أن افلام اكتوبر قدمت بشكل سريع دون دراسة أو إمكانيات قوية لكن تميزها الروح الحماسية التى كانت سائدة وقتها وعلى الرغم أننا نمتلك الآن الامكانيات القوية لإخراج عمل فنى قوى عن الحرب إلا أن هناك موضوعات راهنة نحن فى حاجة لها أكثر مثل حربنا ضد الإرهاب وهو ما قدمته الشركة المتحدة ونجحت فيه بالتعاون مع القوات المسلحة بينما حرب اكتوبر تم التأريخ لها بشكل جيد عن طريق الكتب والافلام التسجيليه ويحتاج العديد من الأفلام التى تؤرخ لتلك المرحلة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى